فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الآية وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قرأ {ولله على الناس حج البيت} الآية فقال رجل يا رسول الله أكل عام فأعرض ثم قال يا رسول الله أكل عام ثلاثا وفى كل ذلك يعرض وقال في الرابعة والذى نفسي بيده لو قلتها لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ولو لم تقوموا بها لكفرتم فذروني ما تركتكم وفى مثل هذا نزلت {لا تسألوا عن أشياء} الآية وكره عليه الصلاة والسلام المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وكان عليه الصلاة والسلام يكره السؤال فيما لم ينزل فيه حكم وقال إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها وقال ابن عباس ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض صلى الله عليه وسلم كلهن في القرآن {ويسألونك عن المحيض} {ويسألونك عن اليتامى} {يسألونك عن الشهر الحرام} ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم يعنى أن هذا كان الغالب عليهم وفى الحديث إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليه فحرم عليهم من أجل مسألته وقال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وقام يوما وهو يعرف في وجهه الغضب فذكر الساعة وذكر قبلها أمورا عظاما ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا قال فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني فقام عبد الله ابن حذافة السهمي فقال من أبي فقال أبوك حذافة فلما أكثر أن يقول سلوني برك عمر بن الخطاب على ركبتيه فقال يا رسول الله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبينا قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك وقال أولا: والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أر كاليوم في الخير والشر وظاهر هذا المساق يقتضي أنه إنما قال سلوني في معرض الغضب تنكيلا بهم في السؤال حتى يروا عاقبة ذلك ولأجل ذلك ورد في الآية قوله: {إن تبد لكم تسؤكم}.
ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة فقد روى عن ابن عباس أنه قال لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون وقال الربيع بن خيثم يا عبد الله ما علمك الله في كتابه من علم فأحمد الله وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه ولا تتكلف فإن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} الخ وعن ابن عمر قال لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الأغلوطات فسره الأوزاعي فقال يعنى صعاب المسائل وذكرت المسائل عند معاوية فقال أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عضل المسائل وعن عبدة بن أبي لبابة قال وددت أن حظى من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا يسألوني يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثرون أهل الدراهم بالدراهم وورد في الحديث إياكم وكثرة السؤال وسئل مالك عن حديث نهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال قال أما كثرة السؤال فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها وقال الله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} فلا أدري أهو هذا أم السؤال في الاستعطاء وعن عمر بن الخطاب أنه قال على المنبر أحرج بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن فإن الله بين ما هو كائن وقال ابن وهب قال لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل يا عبد الله ما علمته فقل به ودل عليه وما لم تعلم فاسكت عنه وإياك أن تتقلد للناس قلادة سوء وقال الأوزاعي إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط وعن الحسن قال إن شرار عباد الله الذين يجيئون بشرار المسائل يعنتون بها عباد الله وقال الشعبي والله لقد بغض هؤلاء القوم إلي المسجد حتى لهو أبغض إلى من كناسة داري قلت من هم يا أبا عمر قال ألا رأيتيون وقال ما كلمة أبغض إلى من رأيت وقال أيضا لداود ألا احفظ عنى ثلاثا إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك أرأيت فإن الله قال في كتابه {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} حتى فرغ من الآية والثانية إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشئ فربما حرمت حلالا أو حللت حراما والثالثة إذا سئلت عما لا تعلم فقل لا أعلم وأنا شريكك وقال يحيى بن أيوب بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون إذا أراد الله أن لا يعلم عبده أشغله بالأغاليط والآثار كثيرة.
والحاصل أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعطوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه وكانوا يحبون أن يجئ الأعراب فيسألون حتى يسمعوا كلامه ويحفظوا منه العلم ألا ترى ما في الصحيح عن أنس قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء جبريل فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأمارتها ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه جبريل وقال: أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا وهكذا كان مالك بن أنس لا يقدم عليه في السؤال كثيرا وكان أصحابه يهابون ذلك قال أسد بن الفرات وقد قدم على مالك وكان ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة فإذا أجاب يقولون قل له فإن كان كذا فأقول له فضاق علي يوما فقال لي هذه سليسلة بنت سليسلة إن أردت هذا فعليك بالعراق وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لايغالهم في المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي وقد جاء عن عائشة أن امرأة سألتها عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة فقالت لها أحرورية أنت انكارا عليها السؤال عن مثل هذا وقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا شهق ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال عليه الصلاة والسلام: إنما هذا من إخوان الكهان وقال ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيد أعراقي أنت فقلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم فقال هي السنة يا ابن أخي وهذا كاف في كراهية كثرة السؤال في الجملة.
فصل:
ويتبين من هذا أن لكراهية السؤال مواضع نذكر منها عشرة مواضع أحدها السؤال عما لا ينفع في الدين كسؤال عبد الله بن حذافة من أبي وروى في التفسير أنه عليه الصلاة والسلام سئل ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرا ثم ينقص إلى أن يصير كما كان فأنزل الله: {يسألونك عن الأهلة} الآية فأنما أجيب بما فيه من منافع الدين.
والثاني أن يسأل بعد ما بلغ من العلم حاجته كما سأل الرجل عن الحج أكل عام مع أن قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} قاض بظاهره أنه للأبد لاطلاقة ومثله سؤال بني إسرائيل بعد قوله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}.
والثالث السؤال من غير احتياج إليه في الوقت وكان هذا والله أعلم خاص بما لم ينزل فيه حكم وعليه يدل قوله: ذروني ما تركتكم وقوله: وسكت عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها.
والرابع أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها كما جاء في النهي عن الأغلوطات.
والخامس أن يسأل عن علة الحكم وهو من قبيل التعبدات التي لا يعقل لها.
معنى أو السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال كما في حديث قضاء الصوم دون الصلاة.
والسادس أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف والتعمق وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} ولما سأل الرجل يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع قال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا الحديث.
والسابع أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي ولذلك قال سعيد أعراقى أنت وقيل لمالك بن أنس الرجل يكون عالما بالنسبة أيجادل عنها قال لا ولكن يخبر بالنسبة فإن قبلت منه وإلا سكت.
والثامن السؤال عن المتشابهات وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه} الآية وعن عمر بن عبد العزيز من جعل دينه عرضا للخصومات أسرع التنقل ومن ذلك سؤال من سأل مالكا عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والسؤال عنه بدعة.
والتاسع السؤال عما شجر بين السلف الصالح وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال تلك دماء كف الله عنها يدي فلا أحب أن يطلخ بها لساني.
والعاشر سؤال التعنت والإفحام وطلب الغلبة في الخصام وفى القرآن في ذم نحو هذا {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام} وقال: {بل هم قوم خصمون} وفى الحديث: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم».
هذه الجملة من المواضع التي يكره السؤال فيها يقاس عليها ما سواها وليس النهي فيها واحدا بل فيها ما تشتد كراهيته ومنها ما يخف ومنها ما يحرم ومنها ما يكون محل اجتهاد وعلى جملة منها يقع النهي عن الجدال في الدين كما جاء: إن المراء في القرآن كفر وقال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} الآية وأشباه ذلك من الآي أو الأحاديث فالسؤال في مثل ذلك منهي عنه والجواب بحسبه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {قَدْ سَألَهَا}: الضميرُ في {سَألَهَا} ظاهرُه يعود على {أشْيَاء}، لكن قال الزمخشري: «فإن قلتَ: كيف قال: لا تَسْألُوا عنْ أشْيَاء، ثم قال: {قَدْ سَألَهَا} ولم يقل سأل عنها؟ قلت: ليس يعودُ على أشياء؛ حتى يتعدَّى إليها بـ {عَنْ}، وإنما يعودُ على المسألةِ المدلولِ عليها بقوله: {لا تَسْألُوا}، أي: قد سأل المَسْألَةَ قومٌ، ثم أصبحُوا بها- أي بمَرْجُوعِهَا- كافِرِين»، ونحا ابن عطية منْحَاهُ، قال أبو حيان: «ولا يتَّجِه قولُهما إلا على حذفِ مضافٍ، وقد صَرَّحَ به بعضُ المفسِّرين، أي: قد سأل أمثالها، أي: أمثالَ هذه المسألةِ، أو أمثال هذه السؤالاتِ»، وقال الحُوفِيُّ في {سَألَهَا}: «الظاهرُ عَوْدُ الضَّميرِ على {أشْيَاء} ولا يتّجه حَمْلُه على ظاهره، لا من جهة اللفظ العربيِّ، ولا من جهةِ المعنى، أمَّا من جهة اللفظ: فلأنه كان ينبغي أن يُعَدَّى بـ {عَنْ} كما عُدِّيَ في الأوَّل، وأمَّا من جهة المعنى، فلأنَّ المسئُول عنه مختلفٌ قَطْعًا؛ فإنَّ سؤالهم غيرُ سؤالِ من قبلهم؛ فإنَّ سؤال هؤلاء مثلُ من سَألَ: أيْنَ نَاقَتِي، وما فِي بَطْنِ نَاقَتِي، وأيْنَ أبِي، وأيْنَ مَدْخَلِي؟ وسؤالُ أولئك غيرُ هذا؛ نَحْو: {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً} [المائدة: 114] {أَرِنَا الله جَهْرَةً} [النساء: 153] {اجعل لَّنَا إلها} [الأعراف: 138] وسؤال ثمود الناقة، ونحوه».
وقال الواحديُّ- ناقلًا عن الجرجانيِّ-: وهذا السؤالُ في هذه الآيات يخالفُ معنى السؤال في قوله: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ} {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا}؛ ألا ترى أنَّ السؤال في الآية الأولى قد عُدِّيَ بالجارِّ، وها هنا لم يُعَدَّ بالجارِّ؛ لأن السؤالَ هاهنا طلبٌ لعينِ الشيء؛ نحو: «سَألْتُكَ دِرْهَمًا» أي طلبته منْكَ، والسؤالُ في الآية الأولى سؤالٌ عن حالِ الشيء وكيفيَّتِهِ، وإنما عطف بقوله: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ} على ما قبلَها وليستْ بمثلِها في التأويل؛ لأنه إنما نهاهم عن تكليف ما لم يُكَلَّفُوا، وهو مرفوعٌ عنْهم فهُمَا يَشْتَرِكَانِ في وصفٍ واحدٍ، وهو أنَّه خوضٌ في الفُضُولِ، وفيما لا حَاجَةَ إلَيْه.
وقيل: يجوز أن يعود على «أشْيَاء» لفظًا لا معنًى؛ كما قال النحويُّون في مسألة: «عِنْدِي دِرْهَمٌ ونِصْفُهُ»، أي: ونِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرَ، ومنه: [الطويل]
وَكُلُّ أُناسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ** ونَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ

فصل:
وقرأ النَّخَعِيُّ: {سَالَهَا} بالإمالة من غير همزٍ وهما لغتان، ومنه يتساولان فإمالتُه لـ «سَألَ» كإمالة حمزة «خَافَ»، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرةِ عند قوله: {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] و{سَلْ بني إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211].
قوله: {مِنْ قَبْلِكُمْ} متعلق بقوله: {سَألَهَا}، فإنْ قيل: هَلْ يجوزُ أن يكون صفةً لـ {قوم}؟ فالجواب: منعَ من ذلك جماعة معتلِّين بأنَّ ظَرْفَ الزمان لا يقعُ خبرًا، ولا صفةً، ولا حالًا عن الجُثَّة، وقد تقدَّم نحوُ هذا في أوَّلِ البقرة عند قوله: {والذين مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21]، فإنَّ الصلةَ كالصفة، و{بِهَا} متعلِّق بـ {كَافرينَ}، وإنما قُدِّم لأجْلِ الفواصل. اهـ. باختصار.